فصل: الباب الثاني: في كيفية الجهاد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.القسم الثالث من كتاب الحج في اللواحق:

وفيه بابان:

.(الباب) الأول: في موانع الحج:

وهي ستة:
الأول: الإحصار بالعدو.
وهو مبيح للتحلل، ونحر الهدي ناجزا مهما اعتقد دوام المنع إلى أن يفوته الحج، فإن رجا زواله، لم يتحلل حتى يبقى بينه وبين الحج من الزمان ما لا يدرك فهي الحج لو زال حصره، فيحل حينئذ عند ابن القاسم وابن الماجشون.
وقال أشهب: لا يحل إلى يوم النحر، ولا يقطع التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة، ولا يبيح عند اعتقاد زواله قبل ذلك، أو الشك فيه. وروى محمد: لا يكون له التحلل، إلا بشرط أن يكون غير عالم بأن العدو يصده. قال أبو الحسن اللخمي: أو علم ورط أنه متى صده تحلل طش ولو وقف ثم احصر عن لقاء البيت، فقال في الكتاب: قد تم حجه، ولا يحله من إحرامه إلا طواف الإفاضة، وعليه لجميع ما فاته من رمي الجمار والمبيت بالمزدلفة ومنى هدى.
وقال القاضي أبو الوليد: يأتي بالمناسك كلها، وينتظر أياما. فإن زال العدو، وأمكنه الوصول إلى البيت طاف، وإلا حل وانصرف.
وإن تمكن من لقاء البيت، ثم صد عن عرفة، قد قال ابن الماجشون: ليس له أن يحل دون أن يطوف ويسعى، ويؤخر الحلاق. فإن يئس من زوال العدو، أو طال انتظاره بمقدار ما يدركه به الضرر حلق وحل؛ لأن التحلل له متى حصر فترك ما منع منه جائز، وعليه أن يأتي من النسك ما قدر عليه، لأنه قد لزمه بالإحرام له.
وله إذا تحلل حكم الحاج، لا حكم المعتمر، قاله ابن الماجشون. ويتحلل من العمرة إذا صد كالحج.
وإذا تحلل من الفريضة لم تسقط عنه، وقال ابن الماجشون: تسقط، ورأى ذلك بمنزلة إتمامها على وجهها.
ولا يجوز قتال الحاصر، مسلما كان أو كافرا، ولا أن يدفع له مال، إن كان كافرا، لأنه وهن.
وتحلل المحصر لا يجوب إراقة دم للإحصار عند مالك وابن القاسم، ويوجبه عند أشهب، وهو اختيار القاضي أبي بكر. وظاهر الآية عنده، وسبب نزولها.
ولا قضاء على المحصر في المتعين.
المانع الثاني: حبس السلطان شخصا أو شرذمة من الحجيج في دم أو دين، فهو كالإحصار بمرض، لا كالحصر بعدو. ونقل الشيخ أبو الطاهر في إلحاقه بالمرض أو بالعدو قولين للمتأخرين.
الثالث: الرق.
وللسيد منع عبده أن أحرم بغير إذنه، وإذا منع تحلل كالمحصر، وليس له تحليله بعد الإحرام بإذنه.
ثم ما لزمه من جزاء صيد خطأ أو فدية لإماطة أذى من ضرورة، أو فوات حج لم يتخلف له عامدا، فليس له أن يخرج لك من ماله، إلا بإذن سيده، فإن لم يأذن له، ولا أهدى عنه، صام. وليس له منعه من الصيام، وإن أضر به، إلا أن يهدي عنه، أو يطعم.
وما أصاب العبد عمدا، فلسيده منعه من الصيام، إن كان يضر به في عمله.
وقال ابن حبيب: ليس له منعه منه وإن تعمد، وإن أضر به إذا أحرم بإذنه، وهو قول ابن الماجشون وابن وهب. ولو فاته الحج وقد أحرم بالإذن، فعليه القضاء والهدي إذا أعتق.
وإن أفسد حجه، فقال أشهب: لا يلزم سيده أن يأذن له في القضاء.
وقال أصبغ: على السيد أن يأذن له، قال محمد: والصواب قول أشهب.
الرابع الزوجية:
والمستطيعة لحجة الإسلام ليس للزوج منعها من الخروج لها إن قلنا: إن الحج على الفور.
فإن فرعنا على القول الآخر، فهل له منعها لما جاز لها التأخير، أو ليس له منعها لأن لها طلب براءة ذمتها؟ قولان للمتأخرين. ونزلوا على ذلك المبادرة إلى قضاء رمضان، والمبادرة إلى أداء الصلوات في أول أوقاتها.
ولو أحرمت بالفريضة، لم يكن له تحليلها، قال بعض المتأخرين: إلا أن تكون أحرمت أحرام عداء يكون على الزوج ضرر في إحرامها فيه، لاحتياجه إليها، مثل أن تحرم من بلدها، أو قبل الميقات، وما أشبه هذا، من العداء، فيكون له أن يحلها.
فأما لو أحرمت بالتطوع من غير إذنه، لكان له منعها وتحليلها، فتتحلل كالمحصر؛ فإنه لم تفعل فللزوج مباشرتها، والإثم عليها دونه.
الخامس: الأبوة.
فللأبوين منع الولد من التطوع بالحج، ومن تعجيل الفرض على إحدى الروايتين.
السادس: استحقاق الدين.
ولمستحقه منع المحرم الموسر من الخروج، وليس له أن يتحلل، بل عليه الأداء. وإن كان معسرا أو كان الدين مؤجلا، لم يمنعه من الخروج.
فأما من فاته الوقوف بعرفة بخطأ العد، أو بمرض، أو بخفاء من الهلال، أو بشغل، أو بأوجه غير العدو نفلا يحله إلا البيت، فيتحلل بأفعال العمرة، ويلزمه القضاء ودم الفوات، بخلاف المحصر بالعدو، وقد اندرج حكم المحصر بالمرض في حكم الفوات، وسواء اشترط المحصر بالمرض التحلل عند الإحصار، أو لم يشترطه.
ومن دخل مكة محرما بحج، فأحصر بها عن عرفة، فلا يكفيه طواف القدوم والسعي المترتب عليه للتحلل، لأنه إنما فعلها للحج، بل لا بد من طواف وسعي مؤتنفين.
وكذلك من أحصر بمرض، ففاته الحج، فقدم مكة فطاف، فعليه أن يسعى.

.الباب الثاني: في الدماء:

وفيه فصول ثلاثة:

.(الفصل) الأول: في أحكام الهدايا:

ومن أحكامها: النظر في صفاتها، وهي الجنس، والسن، والسلامة من العيوب. وحكمها في جميع ذلك حكم الضحايا على ما سيأتي مفصلا إن شاء الله.
وتعتبر السلامة وقت الوجوب، وهو حين التقليد والإشعار، دون وقت الذبح، وقيل: تراعى وقت الذبح.
فلو قلد هديا سالما ثم تعيب، أجزأه على المشهور.
وقال الشيخ أبو بكر: القياس أن لا يجزئ، قياسا على موته. قال الشيخ أبو الطاهر: وهذا قد يؤخذ منه أنه لا يجب بالتقليد والإشعار أن يقول ذلك، وإن وجب عنده، لكن يرى أنه لا يستقل هذيا، إلا أن يدوم كماله إلى وقت نحره.
وإذا فرعنا على مراعاة وقت التقليد والإشعار، فقلد هديا ثم اطلع فيه على عيب، لا يجزئ معه أو استحق، فإنه يفوت بالتقليد والإشعار ويمضي هديا، لكن لا يجزي عن الواجب، ولا يجوز رده. وقيل: يجوز رده مع ذلك.
وإذا فرعنا على المشهور، فما يصنع بما يأخذ من أرش، أو ثمن؟ قال في الكتاب: يجعل أرش ما كان تطوعا قفي هدي آخر، فإن لم يبلغ تصدق به. وإن كان هديا واجبا، فيستعين بالأرش في ثمن بلده، ومنها: التقليد والإشعار، وهو معدود من سنة الهدي لفعله صلى الله عليه وسلم.
والهدي: ما خرج عن فدية الأذى من دماء الحج، كدم القران والتمتع والفساد والفوات وجزاء الصيد وغير ذلك. قال الأستاذ أبو بكر: الهدي يجب في نحو أربعين خصلة.
وصفة التقليد: أن يجعل في عنق البعير أو البقر حبل، ويعلق فيه نعلان. وإن اقتصر على نعل واحد أجزأ، والأول أفضل. وقيل بكراهية تقليد النعال والأوتار.
وقال ابن حبيب: اجعل القلائد مما شئت فإذا قلد الهدي أشعره.
وصفة الإشعار: أن يشق في الجانب الأيسر، وقال في المبسوط: استحب الأيسر، ولا بأس بالأيمن، فيشق شقا آخذا من نحو الرقبة إلى المؤخر، ويسمي الله سبحانه عند الإشعار.
قال في المختصر: يقول بسم الله والله أكبر.
قال في الكتاب: ثم يجللها إن شاء، وكل ذلك واسع. ولا يختلف المذهب في أن ذلك يفعل في الإبل التي لها أسمنة، فإن لم تكن لها أسمنة، فأطلق في الكتاب أنها تشعر.
وقال في كتاب محمد: لا تشعر.
ولا يختلف المذهب أيضا، أن الغنم لا تشعر. والمشهور أنها لا تقلد أيضا.
وقال ابن حبيبك تقلد.
وأما البقر فإن كانت لا أسمنة قلدت وأشعرت، وإن لم تكن لها أسنمة لن تشعر.
ومنها: الأكل.
ويؤكل من الهدايا كلها إلا جزاء الصيد، ونسك الأذى ونذر المساكين، وهدي التطوع إذا عطب قبل محله. وذكر محمد قولا: أنه لا يؤكل من هدي الفساد. قال أبو الحسن اللخمي: ويلزم على هذا أن لا يؤكل من شيء ساقه عن وصم في حج أو عمرة. وذكر ابن نافع عن مالك في المبسوط في الجزاء والفدية، أنه قال: ينبغي أن لا يأكل، فإن فعل فلا شيء عليه.
فرع:
فإن أكل مما ليس له الأكل منه، فإن كان المأكول منه جزاء الصيد أبدله كله، وكذلك إن كان نسك الأذى.
وقال ابن الماجشون: ليس عليه إلا قدر ما أكل منهما.
وإن كان المأكول منه نذر المساكين، فهل عليه إبداله كله، أو إبدال بعضه؟ روايتان.
وقيل: إن كان معينا أطعم قدر ما أكل، وإن كان مضمونا وجب البدل عن الكل.
فرع مرتب: إذا أوجبنا عليه بدل ما أكل خاصة، فقيل: عليه مثل اللحم، لأنه مما له مثل.
وقال عبد الملك: عليه قيمته طعاما؛ إذ مثله لحم هدي، لا يوجد. وقيل: يغرم قيمة ما أكل ثمنا.
فإن قيل: هل يختص بأكل الهدي من يجوز له أخذ الزكاة؟ قلنا: نعم، إن كان مما لا يجوز لصاحبه الأكل منه. وأما ما يأكل من فلا يختص بهم، بل يجوز أن يطعم منه الأغنياء وغير المساكين. ومنها: حكم ولد الهدية.
وإذا ولدت الهدية، فيجب حمل ولدها، ويسلك به مسلكها. فإن لم يمكنه حمله ولا تركه بموضعه ليشتد، صار بمنزلة هدي التطوع إذا عطب قبل بلوغه محله.
ولا يشرب من لبن الهدية لوجوبها بالتقليد والإشعار، ولا يجب عليه شيء إن فعل، إلا أن يضر ذلك بها أو فصيلها، فيغرم ما أوجبه فعله، ولا يركبها إلا أن يحتاج إلى ركوبها فيركبها، ثم ينزل إذا استراح.
وقال ابن القاسم: إذا ركبها لم يلزمه أن ينزل وإن استراح.
ومنها: صفة النحر، وهي أن ينحر الهدي صاحبه قائما معقولا أو مقيدا، فإن نحره مسلم غير صاحبه قاصدا به صاحبه، أجزأ عنه، وإن لم يستنبه فيه لوجوبه بالتقليد، والإشعار.
وإن نحره عن نفسه تعديا أو غلطا، فقيل: يجزئ لوجوبه، وقيل: لا يجزئ، وقيل: بالإجزاء في الغط دون التعدي إذ الغالط قصد بفعله القربة على الجملة، والمتعدي غير قاصد للقربة أصلا.
ولو دفع هديه إلى المساكين بعد بلوغه محله، وأمرهم بنحره، ورجع إلى بلده، فاستحيوه، فعليه بدله، كان واجبا أو تطوعا. وإنما يجزئ أن يدفعه إليهم بعد أن ينحره. ومن أحكامه: الاشتراك فيه، ولا يجوز في هدي تطوع أو واجب أو نذر أو جزاء أو فدية، ولا يشترك في هدي أصلا، وأهل البيت والأجنبيون في هذا سواء. وفي كتاب محمد: جوازه في هدي التطوع خاصة.
ومنها: تقديمه قبل سب وجوبه، كالمتمتع يسوق الهدي في حين إحرامه، وفيه خلاف، وهو كتقديم الكفارة قبل الحنث، لوجود أحد السببين.
قال أبو محمد عبد الحق: هذا إذا ساقه للمتعة، وعلل عدم الإجزاء بوجوبه بالتقليد والإشعار، قبل أن يتعلق عليه الدم للمتعة. واعتذر في الإجزاء، بأن تطوع الحج يجزي عن واجبه، فكيف بهذا الذي لم يقصد التطوع. ثم قال: فأما لو تطوعه به، فينبغي أن لا يجزئه عن متعه على القولين.
ومنها: هلاكه أو ضلاله أو سرقته قبل نحره، فيجب بدله إن كان واجبا، ولا يجب إن كان تطوعا.
فرع:
من ضل هديه فأبدله، ثم وجده بعد نحر البدل، لزمه نحره إن أن مقلدا، وإن لم يكن مقلدا، فله بيعه.
وإن وجده قبل نحر البدل، نحرهما إن كانا مقلدين. وإن كان أحدهما غير مقلد، فله بيعه.

.الفصل الثاني: في بيان أبدال الدماء، وأحكام الترتيب والتخيير فيها:

وأنواع الدماء ثلاثة:
الأول: دم جزاء الصيد، وهو المثل على ما تقدم. فإن عدم المثل، أو اختار المكفر الانتقال عنه عند وجوده، أو بالحكم على ما يأتي بيان الخلاف فيه انتقل إلى عدل الصيد من الطعام الذي هو عيش أهل ذلك المكان من بر أو شعير أو تمر أو غير ذلك ما يجزئ في كفارة اليمين.
ويفرق مدا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم، يقوم بالطعام على حالته التي كان عليها حين أصابه، ولا ينظر إلى رفاهيته، ولا إلى جماله أو تعليمه. ولكن إلى ما يسوى من الطعام من غير رفاهية ولا غيرها، بل الفاره من الصيد والبزاة إذا أصابه المحرم عليه في الحكم سواء.
وقال يحيى بن عمر: الذي نقول به: أن ينظر كم يشبع كبير ذلك الصيد من الناس؟ فإذا علم عددهم قيل: كم يشبعهم من الطعام؟ فيخرج عدد ذلك طعاما. قال: لأن دية الصغير والكبير سواء، ولا ينظر إلى قيمته دراهم، لأن اللحم قد يغلو في زمان، ويرخص الطعام في زمان ويغلو، فلا يتحصل له إخراج الجزاء على الكامل إلا بما ذكرناه.
وقال محمد أيضا: يقوم الصغير على أنه كبير.
ثم إن شاء انتقل عن ذلك إلى عدله صياما، وعدل كل مد يوم، ولا يعدل الكسر إن كان، إلا بيوم تام، ولو قوم الصيد نفسه بدراهم، ثم قومها بطعام أجزأه، والأول أصوب.
ولا يخرج مثلا ولا طعاما، ولا صياما إلا بعد أن يحكم به عليه حكمان غيره، يخيرانه فيما يشاء من ذلك، فيحكمان عليه به، قال محمد: وأحب إلينا أن يكونا في مجلس واحد، من أن يكونا واحدا بعد واحد.
ثم إذا حكما عليه بمثل الصيد من النعم لاختياره ذلك، فأراد أن ينصرف إلى الطعام أو الصيام، فقال في الكتاب: ذلك له. قال أبو القاسم بن الكاتب: ذلك له ما لم يعرف ما حكما به عليه ويلتزمه. وحمل غيره من المتأخرين ما في الكتاب على ظاهره. قال أبو القاسم بن محرز: والذي قاله أبو القاسم هو الصواب، قال: وهو كالمكفر عن يمينه إذا التزم الكفارة بأحد الأجناس الثلاثة، فإنه يلزمه أن يكفر به، ولا يكون له أن يعدل إلى غيره.
وقال القاضي أبو بكر: يحكمها، ثم ينظران في القضية، فما أدى إليه اجتهادهما لزمه، لاغ يجوز له أن ينتقل عنه.
النوع الثاني: دم الفدية.
وهو ما وجب في إلقاء التفث وطلب الرفاهية بالترخص في فعل ما يمنع المحرم منه. وهي شاة فأعلى، يعتبر فيها من السن والسلامة ما اعتبر في الهدي، وليست بهدي، ولا يلزمه إيقافها بعرفة، وله أن يذبحها حيث شاء من البلاد، إلا أن يشاء أن يجعلها هديا، فيوقفها موقفه، وينحرها بمنحره، فذلك له لا عليه. وله أن يقلدها ويشرها إن جعلها بدنة أو بقرة.
وإن شاء أطعم ستة مساكين، مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن أحب صام ثلاثة أيام، فذلك على التخيير لا على الترتيب. وله ان يصوم ويطعم حيث شاء، ولا يجزئ عن الإطعام الغداء والعشاء، بخلاف كفارة اليمين لأنه دون المدين، وإن كان فوق المد. قال أشهب: إلا أن يبلغ ذلك مدين أكثير كل مسكين.
النوع الثالث: ما خرج عن هذين النوعين.
وهذا النوع يلزم إخراجه، ولا يخبر بينه وبين غيره، كدم المتعة والقران والفوات والفساد وترك الرمي وشبه ذلك من الواجب، لنقص في حج أو عمرة من تعدي ميقات، أو ترك حلاق، أو ترك مبيت بالمزدلفة، أو من نذر شيئا فعجز عنه، أو غير ذلك.
وهذا النوع ينتقل العاجز عنه الصوم، ولا إطعام فيه، وأقل ما يجزئ في ذلك شاة. وينبغي للواجد أن يهدي من الإبل، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة.
ولو أهدى في تمتعه أو قرانه شاة، أجزأه على تكره.
فمن لم يجد هديا صام عشرة أيام، لغا أنه إن أن الهدي الواجب عليه لنقص متقدم على الوقوف كالمتمتع والقارن. ومن تعدى الميقات، أو أفسد الحج، أو فاته الحج فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج، من حين يحرم إلى يوم النحر، فإن أخرها إليه، صام الثلاثة التي بعده، أو صام فيها ما بقي عليه منها. وقيل: لا يصومها، فإن مضت صام بعدها. ثم إن شاء وصل السبعة بالثلاثة، وإن شاء فرقها.
قال محمد بن حارث: ولا بد من اتصال الثلاثة بعضها ببعض، وكذلك السبعة. وفي الكتاب، قال: وقال مالك: وإن فرق الثلاثة الأيام في الحج أجزأه. وفي نقل الشيخ أبي محمد: التتابع في صيام المتمتع أحب إليه، ومن فرقه أجزأه.
وقوله تعالى: {إذا رجعتم} يريد من منى أقام مكة، أم لا.
قال في كتاب محمد: إذا وصل إلى أهله، إلا أن يقيم بمكة، وإن صام في الطريق أجزأه.
وإن أن ذلك لزم لما بعد الوقوف، كترك جمرة، أو ترك النزول بالمزدلفة، أو لوطء بعد جمرة العقبة، وقبل الإفاضة، فإنه يصوم متى شاء. وكذلك من مشى في نذر إلى مكة، فعجز عنه.
ومن أيسر قبل أن يصوم، أو وصل إلى بلده قبل أن يصوم، وله به مال أهدى، ولم يجزئه لصوم. وكذلك إن وجد من يسلفه، وكان مليا ببلده.
وإن وجد الهدي بعد الشروع في الصوم، لم يلزمه. واستحب له إن كان بعد يوم أو يومين من صيامه. ولو وجد قبل الشروع وبعد إحرام الحج لانبنى على أن العبرة في الكفارات بحالة الوجوب أو بحالة الأداء.
ولو مات المتمتع قبل رمي جمرة العقبة، فلا شيء عليه. وإن مات بعد رميها، أخرج هدي التمتع من رأس ماله.
وقال سحنون: لا يلزم الورثة الهدي إلا أن يشاءوا. وإن مات معسرا، لم يصم عنه أحد.
فرع:
كل ما ذكرناه من الانتقال من بدل إلى بدل، فيشترط فيه مفارقة المنتقل عنه جملة، فلا يلفق الواجب من صنفين أصلا.

.الفصل الثالث: في زمان إراقة الدماء ومكانها:

أما الزمان فلا يجوز شيء من الهدايا إلا نهارا بعد الفجر من يوم النحر.
فإن نحر شيء منها قبل فجره، أو نحر بليل بعده، لم يجزئ.
ودماء الفوات والفساد يراقان في الحجة المقضية، وقيل: في الفائتة أو المفسدة؛ لأن الهدي جبران لها. ولا تختص شاة الفدية بعد جريان سببها بزمان مخصوص، كما لا تختص بمكان مخصوص، بل له أن يذبحها حيث شاء في ليل أو نهار.
وأما المكان فيختص جواز الإراقة بالحرم فيما عدا فدية الأذى، وفيه محلان:
أحدهما: منى، وهو لكل ما نحر في أيامها مما وقف به بعرفة، دون ما لم يوقف به بعرفة.
وقال ابن الماجشون: يجوز نحره بها، وإن لم يوقف به بعرفة.
المحل الثاني: مكة، ولا يشترط في النحر بها الوقوف، ولا أيام منى، بل لو نحر بها ما وقف به بعرفة لكان في إجزائه ثلاثة أقوال. وفي الثالث يخصص الإجزاء بما نحر بعد خروج أيام منى. ولو ساق إليها ما يوقف به بعرفة، فنحره بها من غير أن يوقف بعرفة، ففي إجزائه قولان.
واختتام الكتاب ببيان الأيام المعلومات، وهي:
يوم النحر، ويومان بعده. والمعدودات وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، فيوم النحر معلوم غير معدود، واليوم الرابع منه معدود غير معلوم، واليومان اللذان بينهما معلومان معدودان.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.

.كتاب الجهاد:

.والنظر في وجوبه، وكيفيته، وتركه بالأمان.

فنعقد بابا في كل واحد.

.الباب الأول: في وجوبه:

والنظر في طرفين:
الأول: في وجوبه على الكفاية أو العين. والثاني: في المعاذير المسقطة.
الأول: في وجوبه على الكفاية أو العين.
والأصل في وجوبه على الكفاية، قال القاضي أبو محمد: ووجه القيام به أن تحرس الثغور وتعمر، وتحفظ بالمنعة والعدد، ولا تجوز المهادنة إلا لضرورة تدعوا إليها.
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد العزيز: يجب على الإمام إغزاء طائفة إلى العدو في كل سنة مرة يخرج معهم بنفسه، أو يخرج معهم من يثق به ليدعوهم إلى الإسلام، ويرغبهم، ويكف أذاهم، ويظهر دين الله عليهم، ويقاتلهم حتى يدخلوا في الإسلام، أو يعطوا الجزية.
ثم الإمام يرعى النصفة في المناوبة بين الناس، وقد يتعين الجهاد في بعض الأحيان ولتعينه سببان.
أحدهما: أمر الإمام بالخروج إلى الغزو، فمن عينه بأمهر تعيهن عليه الخروج.
الثاني: أن يفجأ العدو قوما هلم قوة على مدافعته، فيتعين عليهم دفعه ومقاتلته.
فإن لم يستقلوا بدفعه، لزم من قاربهم أن يخرج إليهم.
فإن لم يستقل الجميع، وجب على كل من علم بضعفهم، وطمع في إدراكهم وغوثهم المضي إليهم حتى يندفع العدو عنهم.
الطرف الثاني: في مسقطات الوجوب:
ويسقط الجهاد بالعجز الحسي، وبالموانع الشرعية. أما العجز الحسي فكالصبا والجنون والأنوثة والمرض والعمى والعرج والفقر، أعني العجز عن السلاح، والركوب عند الحاجة إليه، ونفقة الذهاب والإياب.
ولا يسقط بالخوف في الطريق من المتلصصين؛ لأن قتالهم أهم. قال الشيخ أبو إسحاق: وقطعة الطريق مخيفوا السبيل أحق بالجهاد من الروم.
وأما الموانع الشرعية فكالرق دون أمر سيده، وليس لرب الدين المنع بالدن المؤجل عن الجهاد، ولا عن سائر الأسفار.
فإن كان يحل في غيبته، وكل من يقضيه، وإن كان حالا، ولا يقدر على قضائه، فله السفر بغير إذن رب المال، وللوالدين المنع، ولا يبلغ الجد والجدة أن يلحقا بهما.
وسفر العلم الذي هو فرض عين، ليس لهما منعه منه، فإن كان فرض كفاية فليتركه في طاعتهما. ولهما المنع من ركوب البحار والبراري المخطرة للتجارة. وحيث لا خطر لا يجوز لهما المنع.
والأب الكافر كالمسلم، فيما عدا الجهاد من ذلك.
وقال سحنون: وكذلك في المنع من الجهاد، إلا أن يعلم أن منعهما ليوهن الإسلام ولا يعين على الكفار لا لحاجتهما إليه، فليخرج، وإن كرها.
فإن وطئ الكفار دار المسلمين تعين على كل من له منة قتالهم كما تقدم، حتى العبد والمرأة، فيجب على كل واحد منهما الدفع والمعاونة بغاية الإمكان. وانحل الحجر عن العبد أن لم يستغن عنه، فإن استغنى عنه لم يلزمه. ولو خرج قوم فيهم كفاية، سقط بهم الواجب.

.الباب الثاني: في كيفية الجهاد:

والنظر في تفصيل ما يجوز أن يعامل الإمام به الكفار:
أما في أنفسهم فبالقتل والقتال والاسترقاق. وأما في أموالهم فبالإهلاك والاغتنام.
النظر الأول: في معاملتهم بالقتال.
وفيه مسائل:
الأولى: أنه ينبغي أن يدعى الكفار قبل أن يقاتلوا، ولا تؤخذ غرتهم إلا أن يكونوا ممن بلغتهم الدعوة، فيجوز أن تؤخذ غرتهم، وأن يبيتوا.
وصفة الدعوة: أن يعرض عليهم الإسلام، فإن أجابوا كف عنهم، وإن أبوا عرض عليهم أداء الجزية، فإن أبوا قوتلوا، وإن أجابوا طولبوا بالانتقال إلى حيث ينالهم سلطاننا، فإن أجابوا كففنا عنهم، وإن أبوا قوتلوا، هذه كله مع الإمهال، فلو أعجلوا عن الدعوة قوتلوا دونها.
المسألة الثانية: فيمن تجوز الاستعانة به في القتال.
والأصل فيه الأحرار المسلمون البالغون، ولكن تجوز الاستعانة بالعبيد إذا أذن السادة، وبالمراهقين إن كان فيهم منة.
ولا تجوز الاستعانة بأحد من المشركين ولا ببعضهم على بعض، قال صلى الله عليه وسلم: «لن أستعين بمشرك».
قال ابن حبيب: هذا في الزحف والصف وشبهه، فأما في هدم حصن أو رمي مجانيق أو صنعة أو خدمة فلا بأس به.
وقال أيضا: ولا بأس أن يقوم منه سالمه من الحربيين على من لم يسالمه منهم بالسلاح ونحوه، ويأمرهم بنكايتهم.
الثالثة: الجعالة للمسلم على الجهاد جائزة، يجعل القائد للخارج إن كانا من أهل ديوان واحد، وللإمام أن يرغبهم ببذل الأهبة والسلاح.
ويجوز استئجار العبيد، وكذلك أهل الذمة إذا أجزنا الاستعانة بهم أو استؤجروا للخدمة.
الرابعة: فيمن يمنع قلته، وهم: الصبي والمرأة.
فإن شك في بلوغ الصبي كشف عن مؤتزره، واعتبر نبات شعرة العانة. وقبل: لا يقتل حتى يحتلم.
والشيخ الفاني لا يقتل، إلا أن يكون ذا رأى وتدبير. وأهل الصوامع والديارات خارج المدينة، إلا أن يخاف منهم أذى أو تدبير. وقيل: يجوز قتلهم.
وإذا فرعنا على المشهور، فهل يترك النساء إذا تبرهن؟ حكى الشيخ أبو الطاهر في ذلك قولين: أحدهما: أسرهن إذ الرهبانية تختص بالرجال.
والثاني: تركهن لانقطاعهن عن أهل الكفر.
ثم حيث قلنا: لا يقتل الرهبان، فتترك لهم أموالهم، إلا أن تكون كثيرة، فيؤخذ ما يزيد على قدر كفايتهم.
ولا يقتل المعتوه، ولا يقتل الأعمى ولا الزمن، إلا أن يكون ذوي رأى وتدبير، تخشى أذيتهما، وقيل: لا يقتلان بوجه.
ولا يقتل المسلم أباه المشرك إلا أن يضطره إلى ذلك، بأن يخافه على نفسه.
فرع:
من قتل من لا يباح له قتله من صبي أو امرأة أو شيخ بعد أن صار مغنما، فعليه قيمته، تجعل في المغنم.
وإن قتله في دار الحرب قبل أن يصير مغنما، فليستغفر الله سبحانه، ولا شيء عليه.
الخامسة: يجوز نصب المجانيق على قلاعهم، وإن كان فيهم نسوة وصبيان، وكذا إرسال الماء عليهم، وقطعه عنهم، وفي إضرام النار عليهم خلاف، ما لم يكمن فيهم أسارى مسلمون، فلا يجوز إذن إحراقهم، ولو تترسوا بالنساء والذرية تركناهم، إلا أن نخاف، تركهم على المسلمين فنقاتلهم، وإن اتقوا بهم.
ولو تترس كافر بمسلم لم يقصد الترس، وإن خفنا على أنفسنا، فإن دم المسلم لا يباح بالخوف. فإن تترسوا في الصف، ولو تركناهم لانهزم المسلمون وعظم الشر، وخيف استئصال قاعدة الإسلام أو جمهور المسلمين وأهل القوة منهم، وجب الدفع، وسقطت مراعاة الترس.
السادسة: لا يجوز الانصراف من صف القتال إن كان فيه انكسار المسلمين.
وإن لم يكن، فيجوز أن قصد به ما قال الله سبحانه في المتحيز إلى فئة، أو المتحرف لقتال. ولا يجوز الانهزام، إلا إذا زاد الكفار على ضعف المسلمين.
وهل المعتبر في النظر إلى صورة العدد، لأنه مقتضى الظاهر، أو إلى القوة والجلد.
لأنه المقصود والمعول عليه في المدافعة؟ قولان. وعلى الأول جمهور الأصحاب، وبه قال ابن القاسم، والثاني رواه ابن الماجشون.
فرع:
هذا إن علمت القوة والجلد، فإن جهل ذلك اعتبر العدد بلا خلاف.
ولا يجوز الاستبداد بالمبارزة دون إذن الإمام إذا كن عدلا. ولا يجوز حمل رؤوس الكفار من بلد إلى بلد، ولا حملها إلى الولاة. وقد كرهه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقال: هذا فعل العجم.
التصرف الثاني: الاسترقاق.
ويجوز استرقاق الكافر إذا كان نظرا، ولا يمنع من ذلك كون المرأة حاملا من مسلم، لكن لا يرق الولد، إلا أن تكون حملت به حال كفره، ثم سيبت بعد إسلامه، فالحمل فيء.
وإذا سبي الزوجان معا، أو سبي الزوج أولا انقطع النكاح بينهما عند أشهب.
وقال ابن المواز: النكاح على حاله، ولو سبيت أولا القطع النكاح.
وقال ابن المواز: إن استبرئت بحيضه، فوطئها السيد قبل أن تصلح لزوجها حرمة، فقد انهدم النكاح، وإن حصلت له حرمة قبل ذلك، فهو أولى بها.
فرعان الأول: إذا سبيت المرأة وولدها الصغير، لم يفرق بينهما في البيع والقسمة، والصغير ها هنا من لم يثغر. وروي من لم يحتلم. ولو بيع مع الجدة، وقطع عن الأم، لم يجز. وليست الجدة في معنى الأم ولا الأب، فتجوز التفرقة بينه وبينها.
الفرع الثاني:
حكم الأسارى.
وينحصر نظر الإمام فيهم بين خصال خمس، وهي: القتال، والاسترقاق، والمن، والفداء، وعقد الذمة، فيفعل من ذلك ما أدى اجتهاده إلى أن المصلحة للمسلمين فيه.
التصرف الثالث: إهلاك أموالهم غيظا لهم.
وذلك جائز؛ لم يتمكن من تملكها بتحريق الأراضي والزروع والعلوفات، وقطع النخيل والشجر، وعقر الدواب، وإخراب البلاد، ولا تمس النخل إلا أن تكون من الكثرة والاجتماع بحيث يؤثر إتلافها، ويجب إهلاك كتبهم التي لا يحل الانتفاع بها.
التصرف الرابع: الاغتنام.
والغنيمة: كل ما أخذته الفئة المجاهدة على سبيل الغلبة، دون ما يختلس ويسرق، فإنه خاص بملك المختلس والسارق، وفيه الخمس إذا كان آخذه مسلما. وفي اشتراط كونه حرا خلاف، اشترطه سحنون وابن المواز، ولم يشترطه ابن القاسم. ودون ما ينجلي عنه أهله بغير قتال، فإنه فيء. وللغنيمة أحكام:
الأول: أنه يجوز التبسط في أطعمتها قبل القسمة ما داموا في دار الحرب، لأجل الحاجة. ويجري ذلك في القوت والحم والتبن والشعير.
ويجوز ذبح الأنعام لأكل، وقيل: لا يجوز.
ثم إذا ذبحها فله الانتفاع بجلودها إن احتاج عليها، فإن لم تكن له بها حاجة، أو استغنى عنها، ردها للمغانم. ويباح الأكل لمن معه طعام، ومن ليس معه، ولكن قدر الحاجة.
ولو فضل منه شيئا بعد الدخول إلى دار الإسلام، وتفرق الجيش لتصدق به إن كان كثيرا، فإن كان يسيرا فله الانتفاع به.
الحكم الثاني للغنيمة: أنه لا يستقر ملك الغانمين عليها بنفس الغنيمة، وإنما ملكوا بذلك أن يملكوا، وقيل: بل ملكوا بالقهر والاستيلاء وتقضي الحرب.
وقد خرج بعض علمائنا على القولين ما نذكره الآن من الفروع، وهي:
لو وقع في المغنم من يعتق على بعض الغانمين، فإنه يعتق عليه، ويغرم نصيب أصحابه.
وكذلك لو أعتق عبدا من المغنم، لكمل عليه، قاله سحنون فيهما.
وقال ابن القاسم وأشهب: إذا أعتق أمة من المغنم، فلا عتق له. ولو وطئ جارية من المغنم حد، ولم تكن له أم ولد.
وقال عبد الملك: لا حد عليه.
وكذلك يقطع إن سرق منه، وقال عبد الملك: لا قطع عليه.
وقال سحنون: إن سرق ما يزيد على حصته ثلاثة دراهم قطع، وإلا فلا.
وأما الوطء فلا حد فيه، والاستيلاد ثابت. ثم إن كان سهمه من الغنيمة يستغرق الأمة، أخذ منه قيمتها يوم الحمل. وإن لم يف سهمه كمل من ماله، فإن كان عديما فمصابته منها بحساب أم ولد يباع باقيها فيما لزمه من القيمة، ويتبع من قيمة الولد بقدر ذلك.
الحكم الثالث: إن أرضى الكفار المأخوذ بالاستيلاء قهرا أو عنوة، تكون وقفا يصرف خراجها في مصالح المسلمين، من أرزاق المقاتلة والعمال، وبناء القناطر والمساجد، وغير ذلك من سب الخبر، ولا تقسم. وروي أنها تقسم كسائر أموال الغنيمة من العين والعروض. وفي بعض روايات المدونة ما يقتضى التخيير، فيصرف الأمر فيها إلى اجتهاد الإمام.
وإذا فرعنا على المشهور، فلا يجوز بيع ما كان كذلك من أرض العراق والشام ومصر، بل تؤخذ إجارتها، وتصرف في الوجوه التي ذكرناها من المصالح. وكذلك دور مكة، لا يجوز بيعها.
فروع ثلاثة: الأول: ما حصل في أيدي العدو من أموال المسلمين، فأسلموا عليه، كان لهم.
وإن عاد شيء من ذلك إلى الغنيمة، فهو لمن كان يملكه من المسلمين، يأخذه قبل القسم بغير ثمن، وهو أحق به بعده بالثمن. ولا يجوز قسمه إن علم به.
ولو وقع لأحد الغانمين أم ولد مسلم لعدم العلم بها، ثم علم بها بعد القسم، وجب ردها إلى سيدها، ولزمه فداؤها بما اشتريت به، وإن كان أكثر من قيمتها، فإن كان عديما قبضها، واتبع بقيمتها، قاله في الكتاب.
وقال في الموطأ: يفديها الإمام لسيدها، فإن لم يفعل، فعلى سيدها أن يفديها.
وقال أشهب والمغيرة وعبد الملك: على سيدها الأقل من قيمتها، أو الثمن الذي اشتريت به، وإن كان معدما اتبع به. قال عبد الملك: ومشتريها أحق بما في يد سيدها من غرمائه.
وما ذكرناه عن الكتاب من حكم أم الولد إذا وقعت في المغنم، وهو حكمها فيه إذا اشتريت من دار الحرب. وأما لو فدى حرا مسلما من دار الحرب، لرجع علبيه بما فداه به، أحب أو كره.
الفرع الثاني:
إذا أسر العدو حرة مسلمة، فولدت عندهم أولادا، ثم غنمها المسلمون، فولدها الصغار بمنزلتها، لا يكونون فيئا. وأما الكبار بلغوا وقاتلوا نف هم فيء.
قال في ثمانية أبي زيد وكتاب ابن حبيب: ما سبيت به الحرة من ولد صغيرا أو كبير، تبع لها في الحرية والإسلام، لا يباعون ولا يسترقون، ويكرهون على الإسلام. فمن أبى أجبر.
فإن تمادى فهو كالمرتد يقتل قال أبو الحسن اللخمي: يريد إن تمادى الصغير على الكفر بعد عن بلغ.
وقال أشهب في كتاب محمد: حملها وولده الكبير فيء. وذكر ابن سحنون عنه قولين، أحدهما: مثل ما حكى عنه محمد، والآخر: أنهم كلهم أحرار.
قال ابن القاسم: ولو كانت أمة لرجل، كان كبير ولدها وصغيرهم لسيدها.
وقال ابن الماجشون: صغارهم وكبارهم في فيء، وقال أشهب: هم فيء، إلا أن تكون تزوجت، فيكونون لسيدها.
وأما الحرة الذمية، فقال الشيخ أبو إسحاق: هي مردودة إلى ذمتها وصغارها ولدها، أما كبارهم الذين قد بلغوا وأطاقوا القتال، فهم فيء.
الفرع الثالث:
إذا أسلم الحربي، ثم خرج إلينا فغزا المسلمون بلاده فغنموا أهله وولده وماله. فِأما أهله أعني زوجته، فلا يختلف المذهب في أنها فيء، لاستقلالها بحكم نفسها، حكى ذلك الشيخ أبو الطاهر.
وأما ولده فمذهب الكتاب أنهم فيء، وهو تغليب الحكم الدار.
وقال أشهب وسحنون: هم تبع لأبيهم، فأثبتا لهم حكم التبعية. قال سحنون وقال بعض الرواة؛ إن كان ولده صغارا كانوا تبعا له.
واختلف في ماله على ثلاثة أقوال أيضا، فقال في الكتاب: هو فيء، كما قال في الولد والزوجة، وقال: من حكم بتبعية صغار ولده له، وكذلك ماله هو له، فإن أدركه قبل أن يقسم أخذه، وإن كان قد قسم، كان أحق به الثمن.
وقال ابن حارث: إن كانوا أحرزوا ماله وضموه إلى أملاكهم من حين إسلامه وخروجه من عندهم، كان فيئا. وإن تركوه كان له، وإن دخل في المقاسم أخذه بالثمن. قال أبو الحسن اللخمي: القول بأن ماله وولده له أحسن، هذا كله إذا خرج إلينا بعد إسلامه.
فإن بقي في دار الحرب، ثم دخل المسلمون، فغنموا ما فيها، فللمتأخرين قولان: أحدهما: أنه بمنزلة الأول، وهو على تغليب حكم الدار، والثاني: أنه لا ينقطع ملكه على ماله، ويتبعه ولده الصغار، وهو نظر إلى بقاء يده على ماله، وعدم انفصال ولده عنه.

.الباب الثالث: في ترك القتل والقتال بالأمان:

والأمان مصلحة في بعض الأحوال ومكيدة من مكائد القتال في المبارزة.
وينقسم إلى: عام لا يتولاه إلا السلطان: وإلى خاص يستقل به الآحاد، وهو المقصود بيانه الآن.
والنظر في أركانه وشروطه وحكمه.
أما أركانه فثلاثة:
الأول: العاقد.
وهو كل مؤمن مميز، حتى العبد والمرأة والشيخ الهرم والصبي إن عقل الأمان.
وروى معن بن عيسى: أنه لا يصبح أمان العبد.
وقال سحنون: إن أذن له سيده في القتال جاز أمانه، وإلا لم يجز. وقيل: إن قالت صح أمانه، وإلا فلا. وقيل أيضا بعدم صحة أمان المرأة.
وقال سحنون: في الصبي إن أجازه الإمام في المقاتلة صح أمانه، وإن لم يجزه لم يصح. وقيل في الكافر أيضا: يصح أمانه؛ لأن له ذمة، فكان تابعا للمسلمين.
وكل من أجزنا أمانه غير أمير الجيش، فلا يتوقف أمانه على تنفيذ الأمير له.
وقال ابن الماجشون: لا يلزم تأمين غير الإمام، فإن أمن غيره، نظر فيه الإمام، فإن رأى إمضاءه وإلا رده.
ولا يصح الأمان من غير المميز لصغر أو جنون، ويشترط في المؤمن أن يكون آمنا، فلا يصح أمان الخائف.
الركن الثاني: المعقود له:
وهو الواحد أو العدد المحصور، أما العدد الذي لا ينحر كأهل ناحية، فلا يصح أمان الآحاد فيه، بل ذلك إلى السلطان.
الركن الثالث: نفس العقد.
وينعقد الأمان بصريح اللفظ، وبالكنانة، والإشارة المفهمة، فإن رد الكافر ارتد، وإن قبل صح، ولا بد من قبول ولو بالفعل، ولو أشار عليه مسلم في صف الكفار فانحاز إلى صف المسلمين، وتفاهم الأمان فهو أمان، ولو ظل الكافر أن المسلم أراد الأمان، والمسلم لم يرده، فلا يغتال، ومن دخل لسفارة لم يفتقر إلى عقد أمان، بل ذلك القصد يؤمنه.
ولو قال الوالي: أمنت من قصد التجارة، صح. ولا يصح من الآحاد. فإن ظن الكافر صحته فلا يغتال، وليوف له بالأمان، بل لو ظن ما أوهم به مما ليس بتأمين تأمينا، كان تأمينا له.
وقال مالك في العلج يلقاه الرجل ببلد العدو مقبلا فيأخذه، فيقول: جئت للأمان، إنه أمر مشكل، فليرد إلى مأمنه.
قال ابن القاسم: وكذلك الذي يوجد، وقد نزل تاجرا بساحلنا فأخذ، فقال: ظننت أنكم لا تعرضون لمن جاء تاجرا حتى يبيع.
وروى ابن وهب في قوم من العدو نزلوا بساحلنا بغير إذن، فأخذوا، فزعموا أنهم تجار لفظهم البحر، ولا يعلم صدقهم، وقد تكسرت مراكبهم ومعهم السلام أو ينزلون للماء بغير إذن، فهم فيء لا يخمسون والإمام يرى فيهم رأيه. وشرط الأمان ألا يكون على المسلمين ضررا، فلو أمن جاسوسا أو طليعة، أو من فيه مضرة، لم ينعقد. ولا تشترط المصلحة، بل يكفي عدم المضرة للصحة.
وحكمه: أنه إذا انعقد كففنا عنه، وعن ما يتبعه من أهل ومال إن شرط ذلك في الأمان، فإن اقتصر على قوله: أمنتك، فلا يسري الأمان إلى ماله من أهل ومال في الحصن الذي نزل منه. ويصح عقد الأمان للمرأة مقصودا للعصمة عن الاسترقاق، وإذا أمن الأسير آسره، صح ولزمه ذلك، إلا أن يكون مكرها له عليه.
فلو أمنهم وأمنوه، بشرط أنه لا يخرج من ديارهم، فليقم ولا يهرب عنهم. قال أبو الحسن اللخمي: هذا إذا عاهدوه، فأما إن استحلفوه بالطلاق أو العتاق، لم يلزمه الوفاء، وجاز له الهرب. قال: ثم لا يلزمه كطلاق ولا عتاق، لأنه مكره.
ويجب على المبارز مع قرنه الوفاء بشرطه، فلو أثخن المسلم وقصد تدفيفه، منعناه على أحد القولين.
ولو خرج جماعة لإعانة الكافر استنجاده، قتلناه معهم، وإن كان بغير إذنه، لم نتعرض له.
ولو خرج جماعة لمثلهم، ففرغ بعضهم من قرنه، جازت إعانة من ظفر لمن لم يظفر في القتل والدفع، كما فعل علي وحمزة رضي الله عنهما مع عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.
ويتم النظر في مشارطات الكفار برسم مسائل.
الأولى: إذا أخل ببضع الأركان، كما إذا أمن من قلنا: لا يؤمن، أو ظن العلج الأمان ولم يرده المؤمن، أو أوهمه الأمان بغير أمان. ففي جميع ذلك يرد المؤمن إلى مأمنه ولا يغتال، فأما لو فقد الشرط، بأن كان عينا أو جاسوسا لقتل، ولم يرد.
الثانية: إذا قال رجل من الصحن: أفتح لكم على أن تؤمنوني على عشرة أرؤس من الرقيق، أو عشرة أفراس من الكراع هن أعطاه ذلك المسلمون، وكذلك على ألف درهم.
الثالثة: المستأمن رع إلى داره، فما خلفه عندنا من وديعة أو يدن، بعث به إليه.
وإن مات فغلى ورثته إن عرفوا، وإن لم يعرفوا فإلى طاغيتهم، إلا أن يجاهد، فيقتله المسلمون عبد الأسر، فيكون ماله للجيش الذي أسره، لأنه ملك رقبته، بخلاف ما إذا قتل دون أسره.
الرابعة: إذا حاصرنا أهل قلعة، فنزلوا على حكم رجل صح إذا كان ذلك الرجل عاقلا عدلا بصيرا بمصالح القتال، وإن حكم بقبول الجزية، أجبروا عليه، ولو حكموا فاسقا، صح.
ثم إذا حكم تعقب الإمام حكمه، فإن رآه نظرا للإسلام، وإلا رده، وولي هو الحكم بما يراه نظرا، ولا يردهم إلى مأمنهم.
ولو حكم العدو ذميا أو امرأة أو صبيا أو عبدا وهم عالمون به، لم يجز حكمهم، وليحكم الإمام بما يراه، لأنهم رضوا بأقل المسلمين، أو بمي فرددناهم إلى حكم من هو أعلى وأفضل، فلا حجة لهم.
بسم الله الرحمن الرحيم